المقالة الثالثة:
الطبعة العربية من : أنجلينا أبو جهل جولي
كلنا شركاء - تاريخ 18-7-2010
http://all4syria.info/content/view/29443/38/د.حمزة رستناوي
نشرت كلنا شركاء بتاريخ "17-7-2010" تعقيب السيد سليمان الأحمد على مقال السيد ميشيل شماس المعنون " أنجلينا جولي تترك لأولادها حرية اختيار دينهم ..فماذا عن أولادنا.!؟
و تعقيبا على مقال السيد سليمان الأحمد سأقف عند نقطتين:
النقطة الأولى: حول احتكار المعنىالاستشهاد بالقرآن ليس حكرا على المسلمين و المؤمنين به , بل القرآن الكريم مشاع و متاح لكل البشر , و الله رب العالمين و ليس رب المسلمين فقط, و كذلك الكتب "المقدسة" الأخرى ليست احتكارا لجماعة دون أخرى.
و السؤال الأكثر جدّية ليس هو مشروعية الاستشهاد بنصوص قرآنية أو لا؟!
بل كيفية و طريقة توظيف النصوص القرآنية في المصالح التي يعرضها الكاتب أو المُتحدِّث, فقد يقدّم أحدهم خطابا ً عنصريّا ً يعرض لازدواجية المعايير, و يبرر الظلم استنادا إلى نصوص قرآنية مجتزأة أو معزولة من سياقها,و خطاب تنظيم القاعدة و الجماعات التكفيرية نموذجا ً على ذلك , و العكس صحيح.
فالسؤال الأكثر جدّية هو كشف آليات توَّظيف النصوص القرآنية , و استخدمها للانتصار ضد الظلم , أو تبرير الظلم , و هذه مسؤولية البشر أو لا و أخيرا.
و استشهاد السيد ميشيل شماس بنصوص قرآنية في مقاله " أنجلينا جولي تترك لأولادها حرية اختيار دينهم ..فماذا عن أولادنا.!؟"
أراه أمرا ايجابيا من ناحيتين:
أولاً: استشهاد السيد شماس و هو غير مسلم " بالمعنى المصطلحي الخاص" بنصوص قرآنية يعنى أن هذه النصوص ذات سمة إنسانية تتجاوز فئوية المؤمنين بقدسيتها و نسبها الالهي , و تتوافق مع فطرة الإنسان , و تؤسس لمرجعية بدهية كونية مشتركة بين البشر بغض النظر عن انتمائهم الديني.
مثال الآية ""لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" ( البقرة :256 ).
فدلالتها و المصالح التي تعرضها واضحة , و عموم البشر من المسلمين و المسيحيين و البوذيين و الملحدين ..الخ يسلّمون بصلاحيتها بغض النظر عن كونهم مسلمين أم لا؟
فالإكراه في الدين و إجبار الناس على إيمان معيّن , ينافي البداهة و الفطرة الإنسانية السليمة, و يؤسس لازدواجية المعايير و الانقسام على أسس دينية و كذلك لانتشار ظاهرة النفاق الديني.
ثانياً: هو أمر ايجابي لكونه يدل على أفق إنساني و انفتاح في أطروحات السيد شماس
فأيهما أكثر صلاحيَّة أن يقتصر في استشهادا ته على نصوص الإنجيل أم ينفتح باتجاه الآخر , و المُشترك الإنساني بين أبناء وطن و مجتمع واحد؟
فبديل أطروحات السيد شماس هو الفكر التبشيري المسيحي الذي يكفّر المسلمين من وجهة نظر عقائدية, أو فكر الريبة و التقوقع على الذات؟!
مع التنبيه إلى أن السيد شماس ليس لاهوتيّا أو رجل دين بل هو كاتب رأي و استشهاداته من النصوص القرآنية و الانجيلية جاءت لتدعيم و تأكيد طرحه و ليس بغرض جدال أو محاجة لاهوتية بالخاصة .
*
النقطة الثانية: حول الديماغوجيا و تحريف الآخر الاقتباس الأول:
" هل الإنجيل كان يدعو النصارى او المسيحيين للايمان بغير النصرانية وتطبيق تعاليم أخرى كتعاليم بوذا ويهوذا وأبو جهل وتحت مسمى حرية الدين ؟ " انتهى
التعليق:
إن فكرة حرية الدين و الاعتقاد هي أحد الفهوم الممكنة للدين,و هذا يتعلق بسياقات توظيف المصالح المعروضة .
و كذلك فكرة الإكراه في الدين و الاعتقاد هي أحد الفهوم الممكنة الأخرى للدين كذلك , و السؤال المثمر هو أي الفهمين أكثر صلاحية و حيوية في الحياة ,
و انسجاما مع تكريم الله للإنسان بصفته "خليفة له "
و أيهما أكثر كفاءة في تحقيق آدمية الإنسان و التنمية البشرية.
و ليس هنا موضع تفصيل في ذلك.
أعود للمغالطة التي وردت في الاقتباس لاحظ تعبير:
"تعاليم بوذا و يهوذا و أبو جهل"
هذا التعبير ليس بريئا قط
نعم هناك تعاليم لبوذا و المؤمنين بها ربما يتجاوزون المليار نسمة , و لها مكانة في الفسيفساء الديني العالمي, و هي في جزء كبير منها ذات نزوعات إنسانية صوفية تنويرية
و لكن يحق لنا التساؤل عن تعاليم يهوذا ؟!
و ما هي تعاليم أبو جهل؟ !
حيث أن أبو جهل لم يكن مؤسس تعاليم دينية أو قائد ديني فما مبرر عطفه على بوذا؟
و هو مثال نمطي على الشخصية السلبية المكروهة في الذاكرة الجمعية للمسلمين؟
و شخصية يهوذا كذلك مثال نمطي كذلك على الشخصية السلبية المكروهة في الذاكرة الجمعية للمسيحيين و المسلمين
هذا العطف جاء تعسفي غير متجانس خاصة أن الكاتب ينهي جملته ب تعبير:
" و تحت مسمى حرية الأديان"؟!
عجبا فهل من أحد و لو من ذوي الثقافة الدينية المتواضعة قال أو يقول بأن أبو جهل يدعو لحرية الدين ؟!
و لا حظ تعبير "مُسمَّى" الذي يوحي بالريبة ؟!
الاقتباس الثاني
"برأيك هل نترك انبياءنا ورسلنا وصحابتنا وحواريينا وعلماءنا وفقهاءنا وحقوقيينا ونأخذ ديننا وشريعتنا وقوانيننا من انجلينا وبراد ومادونا وألتون جون وجورج بوش وكلينتون وبورشيا دي روزي وليندسي لوهان وجرايز أناتومي ومارادونا وميسي وأمثالهم من أبناء جلدتنا؟" انتهى
التعليق:
هل يدعو السيد شماس لأخذ الدين من أنجلينا جولي؟!
رغم أنه لا يخفي إعجابه بسلوكهما و شخصيتها, و هذا خيار شخصي.
و هو يرى أن موقفها يوافق قيم إنسانية و مسيحية و إسلامية في الدعوة لحرية المعتقد و اللا إكراه في الدين.
ما علاقة جورج بوش"ذو السمعة السيئة على نطاق واسع " بأنجلينا جولي؟
هل مارا دونا خبير بالشؤون الإسلامية؟!
المقارنة الصائبة تكون بين ممثلين و فنانين غربيين و ممثلين و فنانين لدينا
و هو ماركز عليه السيد شماس
"أين فنانينا مما تفعله أنجلينا جولي ومما تقوم به في تحدي مخاطر عديدة كالقتل والخطف، أو الاعتداء عليها أو تعرضها لإصابة ناجمة عن تفجير قنبلة أو انتحاري قد يودي بحياتها أو على الأقل يشوه جمالها الفاتن ويقضي على مستقبلها الفني، أو تعرضها لإصابة بمرض معدي لتقديم العون والدعم المادي والإنساني لضحايا الحروب و المرض والجوع.." انتهى الاقتباس
و لا يُفهم من كلام السيد شماس أنه يدعونا إلى ترك انبيائنا و رسلنا و حوارينا ..الخ
بقرينة استشهاده بنصوص قرآنية تلفّظ بها النبي الكريم محمد , و نصوص إنجيلية كذلك.
و أخيرا ً
على ذمة موقع إيلاف انجلينا جولي تحرض أبناءها على الاطلاع على الكتب الدينية بما فيها القرآن
و تصطحبهم معها لزيارة معابد بما فيها المسجد
ماذا لو اختار أحد أبناءها الإسلام ؟
ما موقف كاتب المقال؟!
أليس هذا الإيمان "الافتراضي" أكثر مصداقية من إيمان الوراثة و البيئة و التقاليد؟!
ماذا لو ولد السيد سليمان الأحمد في نيويورك و عاش في مجتمع مختلف ؟!
هل سيختار الإسلام على مذهب كذا و كذا ...؟!
العلم عند الله تعالى .
و ليس للسيد المحامي سليمان الأحمد , و أنا العبد الفقير لله كاتب المقال علم بذلك
على وجه اليقين.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ سورة البقرة الآية (170)
*